يا أحبابَ اللهِ، يا من أرهقتهمُ الحياةُ بتقلباتِها، ويا من ضاقتْ عليهم الأرضُ بما رحُبتْ، اعلموا أنَّ لكلِّ داءٍ خفياً علامةً، ولكلِّ بلاءٍ مستوراً إمارةً. ليسَ كلُّ ما نراهُ بأعينِنا من مرضٍ هوَ مرضٌ عضويٌ فحسب، وليسَ كلُّ ما نشعرُ بهِ من ضيقٍ وهمٍّ هوَ من متاعبِ الحياةِ الدنيا. هناكَ أسبابٌ خفيةٌ، وراءها نفوسٌ مريضةٌ وقلوبٌ سوداءُ، لا تتقي اللهَ في عبادهِ، فتُلقي سهامَ سحرِها وحسدِها ومسِّها، لتُعطلَ الأقدارَ، وتُفرقَ الأحبابَ، وتُطفئَ نورَ الإيمانِ في القلوبِ.
إنَّ طريقَ الشفاءِ يبدأُ بمعرفةِ الداءِ، فإذا عرفَ الإنسانُ علامةَ مرضه، كانَ على أولِ الدربِ الصحيحِ للعلاجِ بإذنِ اللهِ. ولأجلِ ذلكَ، سنُبحرُ معاً في بحرِ هذهِ العلاماتِ، ونستعينُ باللهِ في كشفِها وتبيانِها، لكيلا يظلَّ أحدٌ في غفلةٍ أو حيرةٍ.
أنواعُ السحرِ: كيفَ يُدخلُ الشيطانُ أذاهُ إلى الجسدِ؟
إنَّ السحرَ، يا أحبتي، ليسَ لهُ صورةٌ واحدةٌ، بل يتعددُ في أشكالِهِ وطرقِ دخولِهِ إلى جسدِ المبتلي. فلكلِّ نوعٍ من السحرِ أثرٌ مختلفٌ، ولكلِّ طريقةٍ تأثيرٌ خاصٌ يُقصدُ بهِ إحداثُ الضررِ. وهذهِ هيَ أبرزُ أنواعِ السحرِ من حيثُ طريقتُهُ:
السحرُ المأكولُ والمشروبُ:
وهوَ من أشدِّ أنواعِ السحرِ فتكاً، حيثُ يدخلُ إلى جسدِ الإنسانِ عن طريقِ طعامٍ أو شرابٍ، فيتغلغلُ في خلاياهُ، ويستقرُّ في المعدةِ والأمعاءِ، ليُحدثَ أمراضاً باطنيةً وأوجاعاً عضويةً لا يجدُ الأطباءُ لها تفسيراً.
السحرُ المشمومُ:
وهوَ سحرٌ يُلقى على بخورٍ أو عطرٍ فيستنشقُهُ الإنسانُ، فيصلُ إلى دماغهِ مباشرةً، ليُسببَ أمراضاً نفسيةً ووساوسَ، ويُثيرَ الفزعَ والشرودَ الذهنيَّ.
السحرُ المخطي:
وهوَ سحرٌ يُصنعُ ويُدفنُ في طريقِ من يُرادُ سحرُهُ، فيتخطاهُ بقدميهِ، وتنتقلُ إليهِ طاقةُ السحرِ المؤذية، فيُصابُ بأمراضٍ عضويةٍ في الأطرافِ أو أسفلِ الظهرِ.
السحرُ المسلطُ:
وهوَ سحرٌ يُسلّطُ على الإنسانِ عن بُعدٍ، سواءٌ كانَ عن طريقِ جنِّيٍّ موكّلٍ، أو عن طريقِ تأثيرِ النظرةِ والحسدِ القويِّ. وهذا النوعُ يُحدثُ فوضى في حياةِ المبتلي، ويُؤثرُ على حالهِ بشكلٍ عامٍ.
العلاماتُ الفارقةُ: كيفَ تعرفُ أنكَ مُصابٌ بداءٍ خفيٍّ؟
إنَّ العلامةَ الأولى لإصابةِ الإنسانِ بسحرٍ أو عينٍ أو مسٍّ من الجنِّ هيَ تغيُّرُ حالِهِ من حسنٍ إلى سيئٍ، ومن اتزانٍ إلى اختلالٍ، ومن قوةٍ إلى ضعفٍ. ولكنْ، لا بدَّ أنْ يكونَ الإنسانُ حكيماً في تقديرهِ، فيبدأُ أولاً بالتحققِ من الناحيةِ الطبيةِ، فإذا لم تُفدِ الأدويةُ الطبيةُ في الشفاءِ، فهناكَ احتمالٌ كبيرٌ أن يكونَ السببُ شيئاً آخرَ.
ولكيْ نُعينَكَ على التمييزِ، إليكَ تفصيلاً في العلاماتِ الظاهرةِ والباطنةِ:
العلاماتُ الظاهرةُ:
وهيَ ما يُمكنُ رؤيتُهُ على الجسدِ من الخارجِ، أو ملاحظتُهُ في سلوكِ الإنسانِ اليوميِّ. كأنْ يُصابَ بـ صداعٍ لا ينتهي، أو تساقطٍ شديدٍ في الشعرِ، أو وجعٍ في المفاصلِ والرُكَبِ. وقد يظهرُ التغييرُ في معاملتهِ معَ أهلهِ وأصدقائهِ، فيُصبحُ سريعَ الغضبِ، كثيرَ النفورِ، بعيداً عن أهلِهِ رغمَ حبهِ لهم.
العلاماتُ الباطنةُ:
وهيَ تلكَ الأوجاعُ والمشاعرُ التي لا تُرى بالعينِ، وتظهرُ داخلَ الجسدِ والروحِ. كأنْ يشعرَ بوجعٍ في القلبِ، أو مرضٍ في أعضاءِ الجسمِ الداخليةِ، لا تُبينه الفحوصاتُ. وقد يظهرُ عليهِ النفورُ من الناسِ، والعزلةُ، وارتكابُ السيئاتِ، وكأنهُ يُدفعُ إليها دفعاً.
تفاصيلُ العلاماتِ لكلِّ حالةٍ
تظهرُ هذهِ العلاماتُ على كلِّ الأعمارِ وكلِّ فئاتِ المجتمعِ، من الرضيعِ حتى المسنِّ، وكلٌّ بحسبِ حالهِ وطبيعةِ إصابتهِ. وهناكَ علاماتٌ مشتركةٌ، وأخرى خاصةٌ بكلِّ فئةٍ:
علاماتٌ في الدينِ والعبادةِ:
ستجدُ أنَّ المبتليَ يميلُ للبعدِ عن الصلاةِ وذكرِ اللهِ، ويُصبحُ سماعُ القرآنِ يثقلُ عليهِ، بينما يُحبُّ سماعَ الأغاني واللهوِ. وقد يصلُ الأمرُ إلى كرهِهِ الذهابَ إلى المسجدِ، أو حتى الطعنِ في الدينِ والعياذُ باللهِ.
علاماتٌ خاصةٌ بالرضيعِ والطفلِ:
يُلاحظُ عليهِ بكاءٌ شديدٌ لا سببَ لهُ، أو انتفاضٌ غريبٌ أثناءَ النومِ، خاصةً عندَ سماعِ الأذانِ. وقد تظهرُ عليهِ علاماتُ العزلةِ، أو الغيرةِ الشديدةِ، أو ثقلُ الحفظِ الدراسيِّ.
علاماتٌ على الفتاةِ والشابِ قبلَ الزواجِ:
تظهرُ عليهم أعراضٌ مثلَ صداعٍ مستمرٍ لا يُجديهِ الدواءُ، وضيقٌ في الصدرِ. وقد يرى أحدهما الآخرَ في المنامِ أو حتى في الواقعِ بصورةٍ قبيحةٍ ومنفرةٍ، مما يُؤدي إلى فشلِ الخطبةِ دونَ سببٍ منطقيٍّ. وقد يُبتلى أحدهما ببعضِ الأمراضِ العضويةِ التي لا تُشخصُ طبياً، أو بممارسةِ عاداتٍ سيئةٍ أو جنسيةٍ قهريةٍ.
علاماتٌ على الزوجينِ والأسرةِ:
قد يُصابُ أحدُ الزوجينِ بـ نفورٍ مفاجئٍ وكرهٍ شديدٍ للآخرِ، مع كثرةِ المشاكلِ على أتفهِ الأسبابِ. وقد يصلُ الأمرُ إلى ما يُعرفُ بـ "الربط"، وهوَ عدمُ القدرةِ على إتمامِ العلاقةِ الزوجيةِ، مما قد يُؤدي إلى الطلاقِ. وقد يُعاني البيتُ من كثرةِ المشاكلِ والخلافاتِ والنزاعاتِ بينَ أفرادهِ، ويُبتلى أهلهُ بالأحلامِ المزعجةِ والكوابيسِ.
علاماتٌ على المسنِّ والمسنةِ:
يظهرُ لديهم التحدثُ مع النفسِ، ورؤيةُ خيالاتٍ في الغرفةِ، معَ أحلامٍ خبيثةٍ تُقلقُ نومهم.
نصيحةُ أمِّ سلمانَ القطريةِ في الختامِ
يا من تقرأُ كلماتي هذهِ، لا تجعلِ اليأسَ يتسللُ إلى قلبكَ، ولا تجعلِ الشيطانَ يفرحُ بمرضكَ. إنَّ هذهِ العلاماتِ هيَ إشاراتٌ لكَ لكيْ تستيقظَ وتعودَ إلى اللهِ. ابدأْ بالرقيةِ الشرعيةِ، واقرأْ القرآنَ على نفسكِ وبيتكِ بصدقٍ ويقينٍ، فإنَّ فيهِ شفاءٌ لكلِّ داءٍ. طهرْ بيتكَ من كلِّ ما يُغضبُ اللهَ، وحصِّنْ نفسكَ بذكرِ اللهِ صباحاً ومساءً. تذكرْ أنَّ كلَّ شيءٍ بيدِ اللهِ، وأنَّ الشافيَ هوَ اللهُ، والقرآنُ هوَ سببُ الشفاءِ. لا تُلقِ بنفسكَ إلى اليأسِ، فإنَّ رحمةَ اللهِ واسعةٌ، وفرجهُ قريبٌ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ"
تعليقات
إرسال تعليق